إيران تتقدّم على إسرائيل.. بـ”النقاط“ العربية - أيمن جزيني

إيران تتقدّم على إسرائيل.. بـ”النقاط“ العربية - أيمن جزيني
الاثنين 20 مارس, 2023

قرار الإدارة الأميركية لجم نزوع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى توجيه ضربة إلى إيران يبعث على الارتياح، ولو مرحليّاً. القلق ليس على جمهورية الملالي، بل على الدول التي ينتشر فيها النفوذ الإيراني. الهيمنة الإيرانية صارت تمتدّ من غزّة إلى اليمن مروراً بلبنان وسوريا والعراق. فهذه البلدان هي "ميدانها" للمواجهة والردّ. والأشدّ ضرراً هو ما سمّته إيران "توحيد هذه الساحات"، سياسياً وعسكرياً.

نتائج الخروج الأميركيّ

الانضباط الليكودي الحالي ليس نعيماً مضموناً. فقد خاض هذا التكتّل معركة صعوده إلى السلطة بشعارات عدوانية ترجمها بسفحه الدم الفلسطيني. توعّد إيران جرّاء برنامجها النووي. ويقابل التشدّد اليميني الإسرائيلي تشدّدٌ إيراني مقيم في عقل النظام منذ ثورة الخميني. طبيعة الدولتين التصادمية تبعث على القلق الدائم. أمّا نجاح الإدارة الأميركية في لجم الليكود، فقد لا يستمرّ طويلاً.

منذ عام 2011 قرّرت الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة. الصورة - الفضيحة كانت في خروجها من أفغانستان، وقبلها من العراق. هذا خلق فراغاً سياسياً وشرّع ساحات إضافية أمام إيران، فتقدّمت في الشرق الأوسط، فيما إسرائيل تضطرب. وهذا في حدّ ذاته قد يرجّح تصاعد احتمال المواجهة بين النظامين الدينيَّين على مساحة المنطقة.

وقائع التقدّم الإيراني عديدة. سياسة "إعادة الوصل" مع العالم العربي، التي توسّلتها إيران من الصين، قد تعيد نوعاً من الشرعية لنظام الخامنئي. بعد السعودية ستمضي دول عربية أخرى. مصر رفعت من مستوى حضورها الدبلوماسي في طهران، فصار القائم بالأعمال سفيراً. لكنّ الخوف صار على "ثورة الحرّية" في إيران.

ولئن صحّ أنّ المملكة ربطت تبادل السفيرين بترجمة إيرانية عملية للاتفاق الذي أعلن المهمّ وأخفى الأهمّ، فإنّها وعدت باستثمارات قابلة للنموّ السريع في إيران. هذا فيما الرياض ممتنعة عن التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يزيد من الراحة الإيرانية.

اندفاعة إيرانيّة

الاندفاعة الإيرانية نحو الإمارات حملت جديداً ينبغي التوقّف عنده. فكبير المسؤولين الأمنيين الإيرانيين الأدميرال علي شمخاني اصطحب معه رجال اقتصاد وأعمال، بينهم حاكم المصرف المركزي. صحيح أنّ أبو ظبي لم تقطع قنوات التواصل مع طهران، لكنّ هذه الزيارة هدفت على وجه الدقّة إلى فتح آفاق تعاون أوسع في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية، على ما أوردت "صحيفة اعتماد" الإيرانية عبر قناتها على تلغرام. والإمارات التي أكثرت من احتفائها بـ"الإبراهيمية" ومضت قدماً في التطبيع مع الدولة العبرية، عادت وفرملت اندفاعتها، بعدما أعلنت أنّ أجواءها لن تكون ممرّاً لأيّ اعتداء على إيران. وهذا عنصر قوّة إضافي للأخيرة.

بلاد فارس تسيطر على جزء وازن من الإقليم. صارت على تماس مباشر مع إسرائيل. وحدودها مع الدولة العبرية تمتدّ من جنوب لبنان إلى مرتفعات الجولان فقطاع غزّة. وهي صلة الوصل بين الشرق الأدنى ودول الخليج والشرق الأقصى. هذه الصلة كانت ذات يوم جزءاً من "طريق الحرير" التي تسعى الصين إلى إعادة تعبيدها وفتحها. وإيران عضو في "مؤتمر شنغهاي" وتستعدّ للانضمام إلى "مجموعة البريكس".

تهميش إسرائيل؟

أمّا نقاط "التراجع" الإسرائيلي فتقيم في مواقع كثيرة. ليس لإسرائيل حلفاء إقليميون يمكنها الاستناد إليهم في حال قرّرت شنّ حرب ما على إيران. يحصل ذلك مع تراجع المخاوف العربية من العدوانية الإيرانية بعد الاتفاقية بين طهران والرياض. الأخيرة أظهرت "عبقرية دبلوماسية" من خلال جعل بكين الضامن لهذا الاتفاق. يمكن لإيران التلاعب مع روسيا. يمكنها حتى المراوغة مع الأوروبيين. لكن أيّ تهوّر أو تملّص مع الصين يعني وقوع نظام الملالي في المحظور وقطع الهواء عن رئتيه. فالصين متنفّس إيران.

دخول الصين المنطقة من البوّابتين الإيرانية والسعودية أضعف إسرائيل وهمّشها، جرّاء تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي تعتبر أنّ التحدّي الأول لها هو الصين. حتماً لإسرائيل ثقل وازن في المنطقة جرّاء التزام واشنطن بدعمها الذي يضمن لها تفوّقاً عسكرياً وأمنياً. لكنّ هذا الثقل ما عاد قادراً على بناء دور محوري في ظلّ مواجهة دولتين أحلامهما إمبراطورية، وهما تركيا وإيران.

الصعود السعودي من خلال تنويع "محافظ الاستثمار الدبلوماسي"، واشتراطات المملكة على إيران، جعلا من الرياض حارساً لـ"عروبة" حداثوية غير إيديولوجية تمثّلت في "إعلان الرياض" عام 2007، الذي أعلن العمل على "تحصين الهوية العربية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها وترسيخ الانتماء إليها في قلوب الأطفال والناشئة والشباب وعقولهم باعتبار أن العروبة ليست مفهوماً عرقياً عنصرياً بل هي هوية ثقافة موحدة"... دور كهذا سيضطرّ إسرائيل إلى إعادة تعريف "التطبيع" في ظلّ "الاستقرار المُستجدّ" في المنطقة.

مع التبدُّد الحذِر للهواجس العربية من إيران، ما عادت السياسة الإسرائيلية في إثارة المخاوف تجدي نفعاً. هذا إذا التزمت إيران بمضمون الاتفاقية مع السعودية. وهو أمر مشكوك فيه. فمن الصعوبة بمكان أن تتنازل إيران عن أذرعها. فمن دونها تفقد عناصر قوّتها.

بلوغ إيران العتبة النووية قد يفضي إلى توقيعها الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة. وهذا يتيح لها تقدّماً هائلاً على كلّ المستويات، أهمّها قدرتها على الخروج من الحصار والانفتاح اقتصادياً على جوارها العربي والخليجي، وبالتالي سقوط طموح إسرائيل إلى بناء تحالف سياسي في المنطقة يرتقي إلى تحالف عسكري - أمني.

في الأساس أسقط الرئيس جو بايدن، خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، السعي إلى بناء "تحالف أمني" تقوده الدولة العبرية. في لقاءاته الثنائية مع قادة الدول العربية خلال القمة بالرياض، اكتفى بتشجيعهم على التعاون مع تل أبيب. وهكذا بدأت الطموحات الليكودية بالضمور.

دخول الصين المنطقة من البوّابتين الإيرانية والسعودية أضعف إسرائيل وهمّشها، جرّاء تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي تعتبر أنّ التحدّي الأول لها هو الصين

التعادليّة السيّئة

في أول ردّ فعل رسمي إسرائيلي على استئناف العلاقات السعودية - الإيرانية، رأى مسؤول في الخارجية الإسرائيلية أنّ الاتفاق بين الطرفين "سيؤثّر على إمكانية التطبيع مع السعودية"، معتبراً أنّ موقف الغرب من إيران سيقلّل من أهمية التطبيع مع الرياض.

استعادة السعودية زمام المبادرة في القضية الفلسطينية، باشتراطها على إسرائيل أن تقرّ بحقوق الشعب الفلسطيني وتعود إلى "المبادرة العربية" التي أُقرّت في بيروت عام 2002، يعني البدء بانتزاع ما ادّعته إيران من أنّ تمدّدها في المنطقة هدفه تحرير فلسطين.

إعلان الإمارات إلغاء شراء منظومة الدفاع الجوّي الإسرائيلي المعروفة بـ"القبّة الحديد"، وإبلاغ رئيس حكومة تل أبيب بنيامين نتانياهو بوسائل دبلوماسية "تفضيلها" تأجيل زيارته لأبو ظبي بدعوى الوضع الداخلي في إسرائيل، يعنيان أنّ التغييرات الجيوسياسية في المنطقة كانت أكثر تأثيراً على تل أبيب.

الانسحاب الأميركي وسكوت واشنطن عن وجود روسيا وإيران على البحر المتوسط شكّلا الذروة. هذا يعني للجميع انخفاض مستوى اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، أقلّه في المرحلة الراهنة، من أجل التركيز على شرق آسيا وبحر الصين وتايوان، وعلى الحرب الدائرة في أوكرانيا. وإذ وقفت تل أبيب موقف "المحايد" من حرب موسكو على كييف، فإنّ المسيّرات الإيرانية صارت تحلّق في أجواء أوكرانيا وتضرب خبط عشواء.

صعود اليمين المتطرّف مُمثّلاً بنتانياهو ووزير امنه إيتمار بن غفير، ومحاولة تطويع النظام القضائي، وما يصاحب ذلك حتى اليوم من تظاهرات واعتراضات وعمليات استباحة للدم الفلسطيني، تجعل إسرائيل عارية من كلّ "ادّعاء حضاري" وتكشف طبيعتها العنصرية. صارت تشبه إيران في وجه من الوجوه. تعادلت الدولتان في القمع وتسخير معنى الدولة للنظام.

اليمين الليكودي الراهن أخطر من اغتيال إسحاق رابين ومعه عملية السلام التي انطلقت في مؤتمر مدريد عام 1992. ما يحصل يشبه ديفيد بن غوريون وغولدا مائير وأرييل شارون ومناحيم بيغن في كراهية العرب. إنّه حكم الحاخامات. التصعيد في عمل المقاومة الفلسطينية وتوسّعها من غزّة إلى الضفة الغربية، بما يفوق قدرة السلطة على ضبطها، صارا يهدّدان إسرائيل أكثر من أيّ وقت مضى.

"التقدّم" الإيراني و"التراجع" الإسرائيلي لا يلغيان بحال من الأحوال أنّ الدولتين متشابهتان، ومعاً احتقرتا العرب لسنوات وسنوات. كلتاهما ناصبتا العداء كلّ ما هو حقّ إنسانيّ... لكنّ إحداهما تتتقدّم على الأخرى هذه الأيام، على الأقلّ "بالنقاط".

*من صفحة أساس-ميديا