فذلكة البرنامج الانقاذي المشترك المرحلي لخلوة سيدة الجبل المرتقبة

  • طوني حبيب -
  • ندوات -
  • فذلكة البرنامج الانقاذي المشترك المرحلي لخلوة سيدة الجبل المرتقبة
فذلكة البرنامج الانقاذي المشترك المرحلي لخلوة سيدة الجبل المرتقبة
الثلاثاء 22 سبتمبر, 2020

في إطار التحضير لخلوته السنوية يعقد لقاء سيدة الجبل اجتماعات مع الاحزاب اللبنانية وشخصيات من المجتمع المدني وقادة الرأي التي تلتقي معه حول الأساسيات التي يؤمن بها والتي تؤمّن طريق الخلاص والخروج من الازمات التي تعصف بلبنان في هذه المرحلة بحسب برنامجه.

وبهذا الخصوص حصل موقع المركز اللبناني للبحوث والدراسات Politica على نسخة عن الفذلكة للبرنامج الانقاذي المشترك المرحلي ينشرها للاطلاع.

لتصويب الحوار الداخلي اللبناني

والمساهمة في رسم وجهةٍ إنقاذية

(ورقة للنقاش)

 

1- غداة الاحتفال بمئوية لبنان الكبير، يبدو اللبنانيون، الآن وهنا، وكأنهم لا يزالون عشيَّةَ نشؤ الكيان: مختلفين حول ماهيته ومعناه ودوره، ومتباينين بالأخص في رهاناتهم على ما يمكن أن تتمخّص عنه لعبةُ الأمم في المنطقة للتكيُّفِ مع نتائجها!

2- في هذه المشهدية الإرتكاسية هَدْرٌ لمئة سنة من دروس التجربة اللبنانية بحسناتها والسيّئات، وتجاهلٌ ذميم لبديهيّةِ البديهيات في تلك التجربة: عام 1957، وفي لحظةٍ مشابهة من حيث تنازُع اللبنانيين بين الأحلاف شرقاً وغرباً، وقف حميد فرنجية في مجلس النواب مخاطباً وزير الخارجية آنذاك شارل مالك بقوله: "إسمح لي، يا معالي الوزير، أن أدلَّكَ على القاعدة الذهبية التي فيها خلاص لبنان... وهي أنّ الخير يصبح شراً متى اختلف عليه اللبنانيون، وأنّ الشرّ يصبح خيراً متى اتّفقوا عليه!".

3- ومن علامات الساعة اللبنانية الراهنة، أنّ كلَّ فريقٍ من اللبنانيين يقرأ في كتابه الخاص، الطائفي- الحزبي- الزعاماتي- الشعبوي، فيما الكتاب المشترك، كتابُ الوثيقة والدستور، لم يعد يجد قارئين فيه إلا ما قلَّ ونَدَر، حتى من بين كاتبيه ورافعاته الأساسية!.. ولا تُعْوِزُنا الشواهدُ على ذلك، خصوصاً من تجربة التسوية الرئاسية الأخيرة وانتخاباتها النيابية التي انحدرت بالعيش المشترك نحو مساكنةٍ تلفيقيَّة بين الطوائف ومراكز القوى، على قلقٍ وتربُّص.. وهنا تحضرنا صورةٌ أخرى مختلفة من تجربة الحكم في لبنان: أوائل الستّينيات من القرن الماضي، وعند أيّ مسألةٍ خلافية تتّصل بأصول الحكم وقضية العيش المشترك، كان الرئيس فؤاد شهاب يسأل مَنْ حولَه وأعيانَ البلاد سؤالَه الشهير: ماذا يقولُ "الكتاب" في هذا الشأن؟.. أما اليوم فإن معظم الزعماء وسَدَنةَ الطوائف يسألون بعضَهم بعضاً: كيف السبيل إلى حلولٍ من خارج "الكتاب" ولو على حسابه؟.. وهكذا أصبحت أمور البلاد تُدار بتخريجاتٍ ومقايضات، يُراد لها أن تصير أعرافاً تَحلُّ محلّ الميثاق والدستور!

4- نعتقدُ بقوة أنّ الخروج المتمادي عن اتفاق الطائف والدستور، شكّل السبب الرئيس لمجمل التعثّرات والانسدادات التي أصابت البلاد في العقود الثلاثة الأخيرة، وصولاً إلى انهياراتٍ بالجملة على رأس المئوية الأولى. ذلك أنّ التخلّيَ عنهما كان في الواقع العمليّ تخلّياً عن المرجعية الناظمة للعلاقات اللبنانية الداخلية، ولعلاقات لبنان مع محيطه الاقليمي والمجتمع الدولي. هذا فضلاً عن ضمور الدولة، بما هي - قَبلَ عدالتها والانصاف - صاحبةً السيادة المطلقة على أرضها وشعبها والمقيمين، وصاحبةُ الولاية الحصريّة على قرار السلم والحرب، في منطقةٍ تنام وتصحو على مشكلةِ حربٍ وسلم.. وآخر ما صحت عليه المنطقة احتمالاتُ إعادة النظر في خرائط الدول الوطنية العربية، ولا سيما تلك المضروبة بانقساماتٍ داخلية تراكبت على تدخُّلاتٍ خارجية. كذلك نعتقد أنّ الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتفجّرة، بما في ذلك استفحال الفساد والعجز عن الاصلاح، بالإضافة إلى عُزْلةِ لبنان الخانقة، ما هي إلا نتائجُ ترتّبت على السبب الرئيس المشار إليه أعلاه.

5- بناءً على ما تقدّم يرى المجتمعون حول هذه الورقة أنّ أيّ جهدٍ إنقاذي أو إصلاحي أو مطلبي أو حتى اعتراضي على تردّي واقع الحال، ينبغي أن يتّخذ من اتفاق الطائف والدستور مرجعيّتَه والدليلَ التوجيهي، تُضافُ إليهما قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بسيادة لبنان واستقلاله (لا سيما قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701)، باعتبار أنّ هذه القرارات قد اتَّخذت من اتفاق الطائف مستنداً أساسياً لها إلى جانب القانون الدولي.

6- إنّ دعوتنا هذه تنطلق من قناعتنا الوافية بكفاءة اتفاق الطائف وإنصافه، لأنه كان بالفعل حصيلةَ دروسٍ مستفادة من تجربةٍ لبنانية على مدى قرنٍ من الزمان. فاتفاق الطائف لبّى حاجة الاجتماع اللبناني الدائمة إلى التوفيق بين الحرية والعدالة: حرية العقيدة والتعبير لمكوّناته كافة، وعدالة الإدارة السياسية لهذا الاجتماع. وفي سياقٍ متّصل بهذه المعادلة لبّى الاتفاق حاجةً لبنانية إلى التوفيق بين نهائية الكيان وطناً لجميع أبنائه (مطلبٌ مسيحي دائم) وبين هويته وانتمائه العربيين (مطلبٌ اسلامي دائم). وبهذه المعاني الكلّية والأساسية، بالإضافة إلى السيادة والاستقلال، قلنا بأن الاتفاق أرسى تجربة قرنٍ من الزمان على صورةٍ أفضل، إذا لم نقُل على الصورة الأفضل.

7- إلى ذلك تنطلق أيضاً وخصوصاً من كون هذا الاتفاق هو الوحيد الذي حظي بإجماعٍ لبناني، ولو على دفعات أو على مضض أحياناً، فضلاً عن إجماعٍ عربي ودولي، فيما كلُّ البدائل المطروحة أو المتصوَّرة ما هي إلا إحدى ثلاث: مثالثةٌ بدلاً من المناصفة المفتوحةِ على دولةٍ مدنية كاملة (استناداً إلى فائض قوةٍ فئوي)، أو فدرلةٌ مفتوحةٌ على احتمال التقسيم (استناداً إلى إحساسٍ فئوي آخر بالضعف الأقلّوي)، أو اعلان العجز الشامل وتسليمُ الأمور إلى لعبة الأمم ومَقَصَّاتها (استقالةٌ جماعية من الشأن الوطني).. ولا يخفَى أنّ تلك الاحتمالات الثلاثة مفتوحةٌ جميعاً على قتنٍ داخلية، كما لا يخفى أنها باتت "حديثَ رعيّةٍ لا حديثَ خوريّةٍ فقط!".

8- بَيْدَ أنَّ دعوتَنا للرجوع إلى الطائف والدستور ومقتضياتهما لا تعني أبداً صرفَ النظر عن كل العوامل الإقليمية والدولية، بل تعني تحديداً الإفادة من كل ما يتّفق من تلك العوامل مع مصلحتنا الوطنية كما يحدّدها الدستور واتفاق الطائف. وذلك على قاعدةٍ أساسية مستفادةٍ أيضاً من التجربة اللبنانية، ألا وهي أن العوامل الخارجية المساعدة لا تستطيع الاشتغال من دون مبادرة داخلية.

9-  أخيراً فإن المقصد الأعلى لاتفاق الطائف والدستور هو الحفاظ على العيش اللبناني المشترك، بوصفه أسلوبَ حياة اخترناه منذ تأسيس الكيان، على قاعدة العيش معاً متساوين ومختلفين: متساوين في حقوقنا والواجبات كمواطنين أفراد، ومختلفين - أي متنوّعين - في انتماءاتنا الدينية والثقافية كأفرادٍ وجماعات. ففي بيان التأسيس الذي حمله البطريرك الياس الحويك إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، بتفويضٍ من جميع الطوائف اللبنانية، نبَّه البطريرك أعضاء المؤتمر إلى الواقعة التالية: "إنه للمرة الأولى في تاريخ هذا الشرق هناك مَن يريد إقامة كيانٍ وطني على أساس الوطنية السياسية لا الدينية"، أي على أساس المواطَنة. وبذلك كان لبنان منذ البداية "رسالةَ عيشٍ مشترك بين مختلفين إلى محيطه والعالم"، بحسب عبارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عام 1996، و"مختبراً لحوار الثقافات"، بحسب الأمم المتحدة عام 2019... وبناءً على هذا الخيار التأسيسي الذي واصله الميثاق الوطني عام 1943، ثم اتفاق الطائف عام 1989، كتب اللبنانيون في مقدمة دستورهم الأخيرة أنه "لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك".. ويكاد الدستور اللبناني ينفرد بمثل هذه العبارة من بين سائر الدساتير في العالم.

                                            xxxxxxxxxxxxxx

ملاحظة: بعد هذه المقدمة حول أهمية وضرورة التزام الطائف والدستور، يمكن اقتراح البحث في مسائل محدّدة ليُبنى عليها "برنامج انقاذي" برسم قوى سياسية ومجتمعية تلتقي على الطائف والدستور، وليس من شأننا وحدنا أن نضع هذا البرنامج.